مهند القلاب
أما بعد،، أكتب إليك يا معتصم من على أطراف عمان القديمة، ريف عمان المخرب عمداً، سهولٌ ممتدة شرقاً وصولاً إلى نهر الزرقاء الذي كان يوماً نبض حياة أجدادنا ليصبح اليوم سيلاً من الماء العادم، وغرباً إلى غور ابن عدوان الناضح بالفقر ومزارع -المترفين-، سهول مزروعة قسراً بأبنية تحوي بؤسنا اليومي، علب يطلق عليها مجازاً بيوت، قد لا يهمك أن اصف لك المكان ولكن يجدر بي لأسباب شخصية وأخرى عامة أن أكون دقيقاً في هذا الوصف، فهذا المنظر يحمل القلب حزنا عميقاً، على قمح لا نزرعه!! عموما لا عليك، الجو العام كئيب، حافلات، شاحنات نقل، سيارات صغيرة تذرع الشارع جيئة وذهابا، محملة بالبؤس ايضا، بؤس الفقر و(الخسارة)، أوراق مبعثرة على منضدة، منفضة سجائر، قداحة ثمينة، علبة سجائر رديئة تحمل علامة تجارية عالمية، تصنع في بلادنا، خصيصا لنا من قمامة التبغ على البواخر الأجنبية وبمواصفات تفقد السيجارة متعتها، وليس جدير بالذكر كما كل ما أسلفت، بأننا يوماً كنا ندخن تبغنا الوطني المتوسط الجودة، وكنا سعداء، على عتبات (الخسارة) أيضاً!!
دعني أشاركك بعضاً من الأعاصير التي تجتاح عقلي ووجداني، لحظات الفهم الأولى، عشيات وادي اليابس، وكأن عرار يؤنبني، مراهقاً كنت، الوذ بالصخب هربا، "فلتهنا كوتا ولدجر وطغمته.." "وبالنكران جازاني.." زيتون برما ودشارته وأمثال أردنية بسيطة نظمت شعراً، ألم وقهر واغتراب، كنت اقاوم النضج، ليعود عرار و-يبهدل- عبود!!، عبودٌ هذا كان وزيراً للأوقاف، وكان كثير التحريم، وكثير التطفل على حياة الناس الخاصة، هو أول من حشر أنفه بين قدم الأردني وعتبة منزله، معتصم قد لا تفهم كل هذا الضجيج الذي اكتبه، وأنت محق، ولكن على أية حال سأكمل، عرار ينتفض دفاعا عن الهبر شيخ النور فهو"...مثلي ثم مثلك أردني التابعية" يؤرقه البرق الذي تلالا يوما في سماء حسبان، ويحن إلى قعوار ومشعشعاته، كأس صهباء وقلم وأوراق والكثير من الحب كانت عتاد عرار ليشن بها حربا، علينا نحن يا معتصم أن ننهيها!!!
معتصم عليك أن تعرف، إني لا أكتب لأعزيك، فلا عزاء لنا سوى أن نثور ونتذكر ونحزن، نعم علينا أن نحزن كثيراً، فقد فقدنا من هو أهل للحزن على فقده، علينا أن نحزن وأن نبكي ملئ جفوننا، وأن نعض على أصابعنا ندماً أيضاً، عموماً، تأكد أني لا أكتب لأعزيك، ولكنني أكتب لصديقي الذي أود مشاركته ما يعصف بوجداني، وقد تظن أني تأخرت، ولكن يا صديقي حالة الشك والريب العام، جعلتني اشك حتى في صدق أفكاري، عضضت على ألمي وصمت، لأتأكد مما يدور في ذهني أولا، والآن اتضحت الرؤيا، لقد كان ناهض حتر يعلم أن عليه أن يكمل الحرب، وأن يحمل الراية ويواصل، قد كان يعلم أنه مجبر أن يعض على ألمه، وأن يستوعب النكران الذي يتعرض له ممن يدافع باستبسال عنهم، ذات "خسارة" يا معتصم والدك فهم أن "الخاسرون" ناس بسطاء، شعب يعيش كل البؤس اليومي السالف الذكر، وتتقطع أنفاسهم حتى يوفروا أبسط حقوق الكائن البشري، وإذا ما فاض القليل عن حاجتهم، كان يصبون هذا الفائض في جيوب التجار، لنكون سوقاً أيضاً بما تحمل جملة المفعول به من قسوة!! ربما لا أكون أكتب لك يا معتصم، أعتقد بأني أخاطب نفسي عبرك، ولا يحق لي أيضا أن أتجرأ واتلوا قناعاتي عليك، نعم إني أخاطب نفسي عبرك، وأخاطب كل "الخاسرين" واقطع عهداً عليك وعلى نفسي، بأن لا أتململ يوماً من الدفاع عن "الخاسرين" وأعدك بأن أبقي على جذوة الغضب في نفسي، متقدة إلى أن..... إذاً لقد تحملت الكثير من هذري، ولكن أنت وأنت ابن أبيك، الذي كان كما حدثتي، يحب الناس، ويحب الضيف، ويعشق الحياة ويمارسها باحتراف حتى النفس الأخير، فنحن قوم نحب الحياة، وندافع عن حقنا وحق الجميع بأن يمارسوها بنفس الإتقان، علينا إذاً رغم الغضب والحزن أن نرفض الموت.
أختم هذه الرسالة التي وجهتها بأنانية مفرطة لي عبرك، ونحن على عتبات نصر على الظلام في حلب، نصر يقوده الجيش الوطني السوري، على الرغم من كل الألم والخسائر، لتطمأن قلوبنا قليلا، وليهنأ الشهيد ناهض حتر في غيابه، كما إني أبشرك بأن شبابا يحملون في قلوبهم صدق وصلابة الشيوعي الأردني الذي لاك الصخر وصنع من الرمال حياة في الجفر، وصدق الشيوعي الأردني الذي لم يتنازل يوماً عن حق شعبه، سيكملون الطريق كتفاً على كتف مع كل الشرفاء في وطننا، ليكون الأردن اليوم كما تاريخه شعلة تضيء ما حولها من ظلام، وأعدك بان المغرر بهم من أبناء شعبنا الذين شارفوا على الخسارة الكبرى، لن يقبلوا بهذه الخسارة كعادتهم، فهم ينتفضون دائماً في اللحظة الأخيرة، وعلى غفلة من العدو عندما يكون منتشياً غائباً عن الوعي. أعتذر عن الركاكة والتخبط، ولكني أعلم أن الصدق أهم...
عمان 2016.12.10
الزيارات: 5797