سيدي بليوط(*)
من عاداتنا أن نبكي لفراق الأقرباء وأن نغالب الدمع حيال فقدان رجال عظام لكن في حالة ناهض حتر الأمر مختلف جدا. فذلك البعيد جغرافيا أقرب إلينا من حبل الوريد و ذلك العظيم لا يمكن لخسارتنا له في وقت مبكر سوى أن يسيل دمعا دافقا كنهر الأردن ... نبكيك يا ناهض بدم ودموع وخشوع.
ناهض حتر كطيف الضوء متعدد والمصدر واحد فهو الرجل الوطني والمناضل الأممي والشاعر الأديب والصحفي والمنظر السياسي والأنثروبولوجي والأهم من هذا هو وريث قيم الفروسية العربية التي تأبى الفرار من الزحف في المعارك الكبرى. كيف يمكن إذن إيجاز الحديث عن شخصية مثل ناهض حتر وكل ما سوف يقال لن يوفي حق رجل وهب حياته للحفر والتنقيب عن الأردن المغيب والتعريف به.
إن إستهداف وتحطيم الرموز أهم صفة يتسم بها ما يسمى "الربيع الأمريكي" ومؤيديه إذ استهدفوا منذ البداية رأس تمثال أبي العلاء المعري ثم أتبعوه خالد الذكر الشهيد الدكتور خالد الأسعد فكان طبعيا أن يستهدفوا رمزا أخر من رموز العرب ألا وهو ناهض حتر الذي يعرف جيدا طبيعة قاتليه ومشغليهم الأمريكان ... ورغم ذلك لم يجبن ويتخلف عن المواجهة.
إن أهم ما يدفع قوى سياسية كالإسلام السياسي وساسة الليبرالية الموصى بكليهما أمريكيا إلى التحالف للتخلص من مناضل شرس كناهض حتر هو الصداع الذي تسببه لهم أفكاره ومواقفه الوطنية والقومية المشرفة لهذا على كل من يمشي على خط ناهض حتر أن يعمل بجد ومثابرة على نشر أفكاره والتعريف بها حتى يزداد صداع رأس قاتليه فلا يفرحوا بما اقترفت يداهما.
لقد كان الشهيد ناهض حتر مهموما بالإنسان الأردني فأفنى سنوات عمره بين النضال من أجله و دراسة عاداته كماهو الحال في الدراسة/التحفة المشتركة المعنونة "المعزب رباح" وأنا على يقين أن الإنسان الأردني سيتصدى لقاتليه كما تصدى لهم حين أرادوا قطع أشجار الميس المعمرة التي تحظى برمزية خاصة عند الفلاحين الأردنيين.
رغم المعاول و الفؤوس التي تنهال على سيرته, ستذهب تلك المحاولات كالزبد جفاءا أما ما ينفع الناس كفكر ناهض حتر سيمكث في الأرض.
فالشهيد ناهض حتر شجرة من أشجار الأردن المعمرة .
2017.09.29
---------------
(*) سيدي بليوط: كاتب مغربي.
الزيارات: 1998