مُـرّاكش ورياضُ ليوناردو دافنشــي

سعدي يوسف
في أيلول 2005 ، آنَ كنتُ بمرّاكشَ ، في أيّامٍ مشهودةٍ للثقافة والفنّ ، التقيتُ السيدةَ ســونه واد ، مديرةَ المعهد الثقافي الفرنسي بمدينة مرّاكش ، في عشاءٍ عجيبٍ بأعلى روضةٍ من رياض مراكش الأشدّ مدعاةً للعجب .
قالت لي ســونه واد إنني مدعوٌّ إلى الدورة الثالثة من " ربيع مراكش " حينَ يتدفّق الشِــعرُ ، طليقاً ، في حدائقــه ، منذ أواخر آذار ( مارس ) حتى بدايات نيسان ( أبريل ) 2006. كما أسرّتني أنها ســـوف تستضيفني في " رياض ماســون " ، لا في فندقٍ من فنادق المدينة . لم أكن أعـرف عن " رياض ماسـون " شيئاً ، آنذاك .
أندريا تييرني ، كانت معي .
حين هبطنا في مطار مراكش ، وجدنا من ينتظر ليأخذنا إلى الرياض .
لكن المفاجأة الحقيقية كانت عندما سألني شــرطيّ : أأنت فلان ؟ أجبتُ : نعم . قال : أأنت الشاعر نفسه ؟ أجبتُ : نعم . وهكذا بدأ بيننا حديثٌ ظريفٌ عن الشعر وأهله ، وعن معارفَ مشترَكين ...
( علاقة مختلفة ، أكيداً ، بين الشرطي والشعر ! ) .
أندريا لم تكن لتصدِّق الأمر !
وأنا أيضاً .
*
كانت القراءات تتمّ في الحدائق العامّــة ، حيث الشجر وحده يستمع إلى الشعر .
في الجامعة .
وفي المدارس .
قراءةٌ واحدةٌ كانت في محلِّــها تماماً ، وفي مستواها اللائق ، هي القراءة المشتركة لبرنار نويل ومحـمد بنيس ، بـ " الدار الشريفة " ، حيث كنتُ قرأتُ ، مع أندريا تييرني ، قصيدةَ " نيو أورليانز " ، أيلولَ 2005 .
كان برنار نويل ، صديقي منذ أيام باريس ، مضنىً ، كامل الهدوء ، على غير عادته .
علمتُ أن عملياتٍ جراحيةً معينةً أجريَتْ له مؤخراً .
برنار مع إيزابيلاّ كانا يسكنان ، مثلنا ، " رياضَ ماسون " ضيفينِ على ســونه واد .
قصائد برنار نوَيل التي قرأها في " الدار الشريفة " كانت تنضح بأسىً عميمٍ ، وإحساسٍ بالزمن مؤذٍ .
قلت إن برنار وإيزابيلاّ كانا معنا في المنزل .
كنا نتناول فطور الصباح معاً .
في آخر فطور صباحٍ ، ودّعنا برنار وإيزابيلاّ عائدَينِ إلى فرنسا .
قلت لبرنار: إنك مستعجلٌ ...
قال مبتسماً ابتسامته العذبةَ : أريد أن أشــهد الثورةَ !
كانت التظاهرات ضد قانون العمل الرجعي ، قانون دو فيليبان ، تجتاح فرنسا آنذاك .
*
مراكش ، ملأى بالرياض ، Riads، هكذا .
والرياض وهوجمعٌ يراد به المفرد هنا ، دارٌ عاليةٌ ذات حديقةٍ ( روضةٍ ) داخلية .
رياض مراكش يشتريها الآن فاحشو الغنى ، الأوربيون والأميركيون ، بملايين الدولارات .
هم يشترون كل شــيء .
وتدريجاً سوف يمتلكون خير منازل المدينة العتيقة ، أي الرياض ، بينما فنادقهم الياذخة تحتلّ الأحياء الجديدة .
أتذكّــرُ من قصيدتي " مجاز وسبعة أبواب " :
مرّاكشُ الحمراءُ تُبنى الآنَ
عاليةً
وعاصمةً
فهل نحن الحجارةُ ؟
*
دُنِــيز ماســون ( 1901-1994 ) ، التي سمّيت الرياض باسمها ، سيدة فرنسية سكنت مراكش أكثر من ثلاثين عاماً ، في المنزل نفسه ، المقدَّم هديةً منها إلى بلدها فرنسا ، والمستخدم حالياً من جانب المعهد الفرنسيّ بمراكش ، موئلاً ومحفلاً .
السيدة دُنيز ماسون ترجمت القرآن ومعانيه إلى اللغة الفرنسية .
وهي مولعةٌ بالموسيقى .
في المنزل أرغنٌ معطّــلٌ
وبيانو شــغّــالٌ .
وأندريا تريد أن تعزف ...
عقدت أندريا صداقةً مع مدبِّــرة المنزل ، وبحثتْ معها في المكتبة الخاصة ، عن مدوّناتٍ موسيقية .
كانت الحصيلة كنزَ مدوّناتٍ موسيقية من القرنين السادس عشــر والسابع عشر ، بينها مدوّنــةٌ من ليوناردو دافنشي !
بدا الأمر معجزةً ...
وفي ليل مراكش النديّ ، المفعم بضوع الورد ، كانت نغمات ليوناردو دافنشي تَصّــاعَدُ تحت أنامل أندريا وهي تعزف على بيانو دُنيز ماســون .
*
ليل مراكش يبدأ بأغنية الطير والشجر
وينتهي بأغنية الطير ...
لندن/ 2017.09.06
مقالات أخرى
-
الفئة القليلة !
18 تشرين2 2017 -
قـتْلُ الفلسطينيين
03 تشرين1 2017 -
السُّلَّمُ ذو الشموعِ الأربعِ
20 أيلول 2017 -
مُـرّاكش ورياضُ ليوناردو دافنشــي
06 أيلول 2017 -
بِــيانُــو كوندولــيزا رايس
27 آب 2017 -
ثورة أكتوبر أيضاً: ليس من طُهْرٍ ...
31 تموز 2017 -
زيارةُ ريتشارد
14 تموز 2017 -
خليل الأسَدي سيِّدُ الكلمة...
10 حزيران 2017 -
عن المرء وما يرسُم في حياته ويترسّمُ
03 حزيران 2017 -
نبتةٌ شيطانيةٌ فى غابة إفريقيا
28 أيار 2017 -
رسالة إلى الملِك سلمان بن عبد العزيز
24 أيار 2017 -
اختطاف
16 أيار 2017 -
ضرْبُ الخناجر ولا حُكْمُ النذل..
15 أيار 2017 -
حَيرةٌ ...
28 نيسان 2017 -
ريحانُ " شهرزاد "..
20 نيسان 2017 -
بانتظار البرابرة
18 نيسان 2017 -
تنويع
11 نيسان 2017 -
الجانب الآخر من الحدود
01 نيسان 2017 -
فسحة الأمل
10 آذار 2017 -
الأمرُ يَحْدُثُ !
05 آذار 2017 -
في البرّ الغربيّ ، مع حَسَن فتحي أيضاً ..
19 شباط 2017 -
جواسيس عرفتْهم دوريس لسنج
08 شباط 2017 -
رمسيس الثاني
01 شباط 2017 -
ذاك الأميركيُّ الهاديء ..
29 كانون2 2017 -
تنفيذُ إعدامٍ وهمىٍ...
23 كانون2 2017 -
ليلُ أوروبّا
19 كانون2 2017 -
البصرة
10 كانون2 2017 -
الليلةَ أقلِّدُ بازوليني
05 كانون2 2017 -
فيديل كاسترو واستقلاليّة القرار
30 كانون1 2016 -
ليليّةٌ Nocturne
12 كانون1 2016 -
رامبو في هَرَر
03 كانون1 2016 -
تدريبٌ على الـمُصابَرة
29 تشرين2 2016 -
هَلْوَســةٌ في أيّامٍ ممطرةٍ
25 تشرين2 2016 -
إبادة العرَب ؟
11 تشرين2 2016 -
مِــحْـــــنــــةٌ
01 تشرين2 2016 -
حقُّ الرِّفقةِ العجَبُ
29 تشرين1 2016 -
بعيداً عن غبار المعارك،عميقاً في قلبِها !
24 تشرين1 2016 -
أكتوبر ، شهرالشهور!
15 تشرين1 2016 -
ساعات غيفارا الأخيرة
15 تشرين1 2016 -
إلى ناهض حتّر
25 أيلول 2016 -
إذاً ... ها هي ذي الديمقراطيّة !
08 أيلول 2016 -
ثقافةُ عراقٍ بينَ سَــيفَـينِ
30 آب 2016 -
معارَضةٌ ...
25 آب 2016 -
خمسة أبيات
17 آب 2016 -
ثلاثةُ مَقاطعَ مدوّرةٌ على الوافِر
08 آب 2016 -
عن الهجرة والــمُـهاجِر ...
05 آب 2016 -
الُمحاكَمة
29 تموز 2016 -
يا طَير ... يا طايِر !
26 تموز 2016 -
لَيْتَ ... وهل تنفعُ شيئاً لَيْتُ ؟
23 تموز 2016 -
بلَدُ فاشستيٌّ مُمطِرٌ !
16 تموز 2016 -
سَـيِّد محمّد ...
09 تموز 2016 -
أولادُ الشيخ ...
01 تموز 2016 -
الضاحك والمضكة
12 نيسان 2016 -
الضاحك والـمَـضحكة ...
27 آذار 2016 -
لقاءٌ مع نجيب محفوظ
02 آذار 2016 -
نهاية رجلٍ شجاع
27 شباط 2016 -
الرِّحلةُ الأولى إلى الجزائر
25 شباط 2016 -
أُمُّ الدنيا!
23 شباط 2016 -
عن المستعمِر ولُغتِه
21 شباط 2016 -
سامراء
20 شباط 2016 -
سوف يقتله التمساح
18 شباط 2016 -
نَــعُومِي كامبِل في البلدةِ
09 شباط 2016