خاص - ميسلون
أمجد الحباشنة
تحاول هذه الدراسة أن تقدم قراءة شاملة للخلفية الفكرية والنفسية والدينية لمعظم الأفراد الذين خرجوا للجهاد في سوريا من الساحة الأردنية ، حيث تبين لنا أن هنالك مجموعة من الصفات المشتركة التي تجمع بينهم ، فالتطرف ليس الصفة الوحيدة التي تجعل من هؤلاء المغرر بهم ضحايا للوهم والإجرام ، ووقودا لمعارك لا ناقة لهم فيها أو جمل ، ولكن ثمة معطيات اجتماعية ونفسية ، وثمة سياقات من التوظيف السياسي لتلك الظاهرة في المجتمع الأردني ، دفعا بها للتخلص من كل من يحملون تلك الأفكار من جهة ، وزجهم لخوض معارك بالوكالة خدمة لمصالح بعض القوى الإقليمية المتصارعة في المنطقة من جهة أخرى .
حاولت "ميسلون" استكشاف مجاهيل تلك الظاهرة المتصاعدة من خلال شهادات من أرض الواقع لأسر هؤلاء الشبان الخارجين للجهاد إلى سوريا وغيرها من البلدان التي تشهد صراعات واقتتال أهلي ، أو من خلال اللقاء بأصدقائهم في محيطهم الإجتماعي الواحد ، الإجماع كان على نقطة واحدة وهي أن الغالبية العظمى والسواد الأكبر من أؤلئك الشبان غادروا الأردن دون علم أهلهم وذويهم وأن معظمهم كانوا يعانون ، إما من التعصب الديني أو الإحباط أو الضياع أو تعرضوا لصدمات في حياتهم جعلتهم يرتدون عن الحياة ويدخلون في حالة من الوهم الغيبي ، الذي جعلهم أسرى لفكرة الإنتقام من الحياة ومن فيها من شخوص فتحولوا إلى مفخخات متنقلة يسهل تسييرها وتوجيهها ، حسب قرارات الممولين وتوجهاتهم ، من هنا جاء دور الإعلام العربي النفطي المروج للجهاد في سوريا باستقطابهم وتوظيفهم توظيفا إجراميا عبر فتاوي الشيوخ حينا ، واغراء المال حينا آخر ، اضافة إلى مغريات الغيب ، المتمثلة بالجنة وحور العين وحياة الرغد التي قد يفتقدها الإنسان المحبط في الواقع المعاش على هذه البقعة الجغرافية من الأرض المحملة بكل أسباب الفقر والجهل والضياع .
هؤلاء الأفراد المحملين برغبة الموت والإنتحار ، تحت مجموعة من العناوين الدينية والطائفية ، وتحت عناوين الضياع النفسي والإجتماعي تم جمعهم وتدريبهم وانفاق الملايين عليهم من أجل اعدادهم للجهاد في سوريا وغيرها من الساحات العربية لغايات سياسية بحتة ، تتمثل باضعاف كل من يحمل مشروعا مناوءا للهيمنة الغربية والمشروع الصهيوني التوسعي في المنطقة حيث تؤكد كل المعطيات حركة ونشاط هذه المجموعات الارهابية في الدول التي لا تقيم علاقة ودية وتطبيع سياسي واقتصادي مع العدو الصهيوني كسوريا والعراق ولبنان واليمن وغيرها ، فيأتي دور تلك المجموعات لاضعاف تلك الدول واغراقها في الدماء والخراب خدمة لمصالح الدول الممولة ، الأردن كان له دورا في بداية الأزمة السورية في تلك المسألة حيث تم اعداد المساحات وانشاء غرف التدريب والعسكرة بغية الدخول المحتمل للجنوب السوري تحت وطأة الإبتزاز المالي والإقتصادي للأردن ، من جانب دول الخليج بالرغم من وجود معارضة كبيرة من جهازي الجيش والمخابرات لمسألة تورط الأردن في الحرب السورية ، والسيناريو الكارثي لاحتمالية سقوط الدولة والنظام في سوريا وارتداداته على الأردن .
الدور الأكبر في دعم وتمويل وجمع تلك المجموعات البشرية التكفيرية في الأردن وارسالها للجغرافيا السوريا كان لكل من تركيا وقطر والسعودية ، وذلك عبر ثالوث انشائي يتم من خلاله صنع الشخصية التكفيرية واعدادها ، وهو ثالوث ( الفتوى الدينية + التمويل + التسليح ) ، حيث كانت تلك الدول تمتلك أدواتها الفعليه في الساحة الأردنية فتركيا وقطر تمتلكا أداة فاعلة وهي " تنظيم الإخوان المسلمين " والسعودية تمتلك أداة الضغط الإقتصادي ومجموعات سلفية وهابية تؤمن بالفكر المتطرف ، اضافة الى الهيمنة على الخطاب الديني في الجوامع من كلا الطرفين وامتلاكهما القدرة المالية على التمويل والتسليح وامتلاك المئات من الكيلومترات الحدودية وخاصة في الجانب التركي ، ما يمثل امتلاك الجغرافيا أيضا .
أحد قادة التيار الجهادي السلفي في الأردن من مدينة (معان ) جنوبا ، وهو أحد المحاربين في ثمانينيات القرن الماضي في أفغانستان الذي رفض عن كشف اسمه ( ر .ش ) وهو شخص قد غادر ذلك الفكر الظلامي _على حد قوله _ كشف "لميسلون" عن جزء من التركيبة الفكرية والعقلية لطبيعة أؤلئك الشبان وكيف تتم صناعتهم ، حيث أكد أن الشيوخ المتمرسين كانوا يقومون من خلال اقامتهم بالجوامع باستقطاب الشبان ، واقناعهم – سابقا - بالذهاب للجهاد في الشيشان وأفغانستان رفعا لراية الإسلام ، ونصرة للمسلمين في تلك البلدان و – حديثا - تم استقطابهم لمحاربة ما أسماهم بالروافض والنصيرية وكانوا يستندون – أي الشيوخ - في حديثهم للشبان على فتاوى الشيوخ الكبار كالقرضاوي والعريفي وغيرهم ، وعلى النصوص الدينية السلفية لكبار علماء الجماعة كابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب .
وعن سؤاله عن الفئات العمرية التي يتم استهدافها أكد لميسلون " أن معظم الفئات تتراوح أعمارهم بين ال 16 إلى 24 عاما ، مؤكدا أن تلك الفئات العمرية في معظمها لا يكون لديها أي التزامات عائلية أو وظيفية في أغلب الأحيان ، ويكون أفرادها محملين بالطاقة والحيوية والإستعداد للعمل والتضحية من أجل تحقيق الأهداف التي يتم رسمها لهم مسبقا من قبل قادة التنظيمات السلفية ، اضافة للحالة البطولية التي يشعر بها الكثير منهم وتحقيق الذات من خلال خوض هذه المغامرات الفردية والجماعية .
أما عن التمويل المالي فقال ( ر.ش) أن التمويل كان يأتي من بعض دول الخليج على شكل مساعدات خيرية ، تدخل تحت مسميات بناء الجوامع وأشرطة الأدعية وكتيبات وعظية ، وغيرها من المساعدات الإنسانية ، لتصل إلى قادة التنظيم السلفي اضافة الى بعض التبرعات المحلية من أشخاص يؤمنون بهذا الفكر .
في سؤالنا ل ( ر.ش ) عن أسباب عدم تسجيل أية حالة لتلك الجماعات ضد الإحتلال الإسرائلي للمقدسات في فلسطين المحتلة أجاب " أن الشيوخ يعتبرون أرض فلسطين أنها ليست من الأولويات ، وأن الجهاد فيها يشتت الجهود في اقامة الخلافة اضافة لصعوبة الوصل اليها عن طريق الحدود المغلقة "
أما فيما يتعلق بالمقابلات التي أُجريت مع أشخاص من أصدقاء وأقارب أؤلئك الشبان الذين يذهبون للجهاد في البلاد العربية ، فقد أكدت معظم المعطيات على مجموعة من الأسباب التي لا تخرج عن أسباب تتعلق بالقراءة الخاطئة للدين الإسلامي ، وتوظيف النصوص المقدسة توظيفا غير منسجم مع الواقع ، وحالات أخرى تتعلق بأمور نفسية وصدمات تعرض لها أؤلئك الأفراد جعلتهم يلتزمون بالإسلام بشكل ردكالي متعصب ما جعلهم ضحية سهلة لتيارات الإسلام السياسي المختلفة بشقيها : الوهابي والإخواني .
أحد أقارب الشبان الذين خرجوا للجهاد تحت تلك العناوين والذي رفض الإفصاح عن اسمه أيضا وهو من محافظة الزرقاء ( ع. أ ) أكد لميسلون " أن أحد أبناء عمومته وهو من أصحاب السوابق وملفه الأمني مليء بالمخالفات والقضايا قد أصبح بشكل مفاجيء ملتزم دينيا ، وترك الكثير من العادات السلبية كتعاطي الكحول – بافراط - واثارة المشاكل وكان هذا الأمر - محط ترحيب من عائلته وأسرته - وأصبح من المواضبين على الصلوات الخمس ولكنه بعد فترة أختفى عن الأنظار وبعدها تبين أنه قد تم تجنيده من قبل مجموعات سلفية تكفيرية ، فغادر الأردن في صيف عام 2013 برفقة مجموعة من الشبان مسافرا إلى تركيا ثم إلى سوريا التي مكث فيها أكثر من ثلاثة أشهر ، وقُتل بعدها خلال اشتباكات في ريف حمص وتم عرض صوره على الصحف الألكترونية ".
أحد الطلبة في الجامعة الأردنية تحدث لميسلون عن قصة لصديق له في السنة الثانية (هندسة مدنية ) حيث روى الطالب " أن زميله كان بشكل عام يميل إلى العزلة والجلوس لوحده ، وكان متفوقا على الصعيد الدراسي ولكنه كان متطرفا في الجانب الديني ويقضي وقتا طويلا في قراءة الكتب السلفية ، ويتابع صفحات الجمعات التكفيرية على مواقع التواصل الإجتماعي وفتاوي شيوخ أهل الجماعة والسنة " يقول الطالب : " بعد انتهاء عطلة منتصف العام في عام 2014 انقطع زميلي عن الدراسة وتبين بعدها أنه التحق بالجهاد في سوريا وعلى ما يبدو أنه قد تم تجنيده من قبل تلك الجماعات عبر مواقع التواصل الإجتماعي وبقي هناك إلى أن جاء خبر وفاته في شهر 7 عام 2015 بغارة جوية في منطقة دير الزور السورية " .
في محافظة الكرك جنوبا أكد أحد آباء الشبان الذي خرج ابنه للجهاد في سوريا أنه قام بالتقدم بشكوى رسمية لدائرة المخابرات العامة على أحد الشيوخ الذي يسكن نفس المنطقة ، والذي عرف عنه تجنيده لمعظم الشبان في تلك المنطقة للجهاد في سوريا ، وعرف عنه أيضا ارتباطه بشيوخ تكفيريين من المملكة السعودية وزياراته المتكررة لها وتمويله المالي لسفر أؤلئك الشبان، حيث تم إلقاء القبض على ذلك الشيخ مؤخرا وما زال في السجن للآن .
على الصعيد النفسي أجرت "ميسلون" لقاءا مع الدكتور "محمد شكور" الأخصائي في الأمراض النفسية ، حيث أكد الدكتور شكور في حديثة عن الموضوع : " أن الكثير من العيادات النفسية في الأردن قد فقدت بعض مراجعيها الدائمين من المرضى النفسيين والمدمنيين ليتبين لاحقا أنهم يقاتلون في سوريا مع الجماعات التكفيرية" وأشار الدكتور شكور بذات السياق " أن الكثير ممن عادوا إلى الأردن بعد ذهابهم الى سوريا والعراق وبعض الدول العربية لغايات الجهاد ، يراجع الكثير منهم الأطباء النفسيين وأن منهم من كان مصابا بالأصل باعتلالات نفسية ، ومنهم من عاد من هناك متعرضا لصدمات أو تعذيب أو مشاهدات بشعة شكلت لديه مشاكل نفسية ، اضافة إلى الإنتشار غير المسبوق لحالات الإدمان على مادة " الكبتاجون" المخدرة وما لها من دور كبير في ادخال الفرد بحالات من الوهم والعدوانية والرغبة بالقتل "
الدكتور "شكور" قال أيضا لميسلون " أن المصيبة الكبرى تتمثل عندما يقع بعض المرضى المصابين بأمراض ك " الإضطرابات الذُّهانية ووأوهام الإضطهاد والهلاوس السمعية والبصرية " تحت سيطرة الجماعة التكفيرية سواء كان ذلك في الواقع أو عبر مواقع التواصل الإجتماعي ، حيث يكون هؤلاء المرضى ضحية سهلة للتجنيد نتيجة الهشاشة النفسية التي يعانونها وسهولة زرع الأفكار العدوانية بداخلهم " .
على الصعيد السياسي التقت "ميسلون " مدير مركز المشرق الجديد للدراسات الدكتور جهاد المحيسن" الذي أكد لميسلون "أن الإرهاب ومنتجاته على الساحة الأردنية لا يخرج عن سياقات الجهل الديني وتوظيف النص المقدس توظيفا خاطئا خاصة في البيئات التي يعمها الجهل والفساد والفقر مؤكدا أن للتبعية السياسية للخليج والدول التي تستخدم الخطاب الديني المتطرف دورا كبيرا في تغذية تلك الظاهرة الخطيرة التي أنتجت الآلاف من الشباب الأردني المتطرف " وقد أكد الدكتور المحيسن أيضا " أن الكثير من السياسيين في الأردن عبروا بشكل واضح عن استيائهم من الدور الحكومي الأردني في عدم مراقبة الخطاب الديني في الجوامع والمدارس والجامعات ، وعدم ممارسة الرقابة الفعلية على تلك التنظيمات التي كانت ، وما زالت تسرح وتمرح في الأردن في بداية ما يسمى - بالربيع العربي- وتجمعها ارتباطات سياسية وتنظيمية بدول أثبتت كل المعطيات أنها هي من أسس لهذا الفكر الذي غرر بشبابنا وجعلهم وقودا لتلك الحروب " .
كما أكد الدكتور المحيسن أن " تركيا والسعودية وبعض دول الخليخ ، كان لها الدور الأكبر والفاعل بتغذية خطاب التطرف والكراهية ، عبر فتح القنوات الفضائة المروجة للفتنة واطلاق العنان لفتاوي القتل الطائفي ، اضافة للتمويل المالي لمعسكرات الجهاد في سوريا والعراق وليبيا ومصر وغيرها ، مؤكدا أن تلك الدول مارست ضغوطات اقتصادية كبيرة على الأردن ، من أجل جعله ملعبا لهذه الظواهر المنافية للإنسانية وشروطها ".
يذكر بأن الأردن قد تعرض لتهديدات كبيرة من التنظيمات الأرهابية ، كان آخرها اشتباك القوات المسلحة الأردنية مع أعضاء من تنظيم داعش الإرهابي في شمال الأردن في محافظة اربد ، راح ضحيتها ضابط أردني برتبة نقيب اضافة إلى عدد من الجرحى في صفوف القوات المسلحة ، فيما تم قتل كامل عناصر الخلية البالغ عددهم سبعة أفراد ، وقد أكدت تقارير دولية وجود ما يزيد عن ثلاثة آلف أردني يقاتلون إلى جانب الفصائل الإرهابية المسلحة في الداخل السوري .
من جانب آخر دعت الكثير من المؤسسات المدنية والحزبية والعلمانية في الأردن في أكثر من وقفة احتجاجية وبيانات واعتصامات الحكومة الأردنية الى اتخاذ خطوات جذرية ، فيما يتعلق بالإصلاح السياسي والإقتصادي ، وصولا لفك التبعية وبناء وطن أردني للجميع ، خالٍ من الإرتهان للخارج ، وقادر على مواجهة التحديات في عالم عربي تتجاذبه أمواج التطرف والإرهاب والقتل وضياع البوصلة .
الزيارات: 4395