عمر معربوني(*)
لم تأتِ النتيجة في حلب كما أرادت الجماعات الإرهابية وانقلبت سيطرتهم على منطقة الكليات العسكرية إلى وقوعهم في بقعة صارت بالنسبة لهم مجرد بقعة يُقتلون فيها ، فلا هم استطاعوا فتح معبر آمن إلى أحياء حلب الشرقية المطوقة ولا هم تمكنوا من تثبيت مواقعهم في الكليات العسكرية
هذا الوضع جاء بنتيجة تدبير إعادة التموضع الذي اتخذته القيادة العسكرية السورية بسبب الضغط الكبير الذي شكّلته الهجمات المتتالية للجماعات الإرهابية وبهدف احتواء الهجوم وهو تدبير عملاني تلجأ إليه أي قوة مُدافعة عندما يصبح الخلل في العديد البشري والقوة النارية مختلا بنسبة كبيرة ، فحجم المهاجمين كان أضعافا مضاعفة وجاء على شاكلة موجات متتالية تضم كل موجة ثلاثة انساق هجومية في النسق الأول العربات المفخخة وفي النسق الثاني مجموعات الإنغماسيين وفي النسق الثالث مجموعات الإقتحام.
في النتائج الميدانية ورغم سيطرة الجماعات الإرهابية على منطقة الكليات وأجزاء من منطقة الراموسة ورغم أن الطريق إلى أحياء حلب الغربية الواقعة تحت سيطرة الدولة السورية لا يزال مقطوعاً إلا أن المشهد الميداني ببعده الشامل لا يزال لمصلحة الجيش السوري فلا الإرهابيين استطاعوا فك الحصار عن الأحياء الشرقية ولا يزال طريق الإمداد إلى حلب الغربية مفتوحاً وان كان قد طال بعض الشيء عبر طريق الكاستيلو الذي أغلقته وحدات الجيش السوري واستكملت السيطرة عليه بتحرير حي بني زيد الذي يشكل بالنسبة للمسلحين خسارة ميدانية ورمزية.
إعادة التموضع التي نفذها الجيش السوري في حلب تم تنفيذها ضمن الشروط والمعايير العسكرية خارج الفوضى فنحن كنا امام انسحاب منظم جاء بعد تقدير دقيق للموقف سبق اتخاذ القرار يضمن سير العمليات وتتابعها بحسب المستجدات ويؤدي إلى فك الإشتباك المتقارب لخلق بقعة رَوْع ( قتل ) يمكن من خلالها للطيران والمدفعية تعريض الجماعات المهاجمة لصبيب ناري كثيف يوقف زخم تقدمها ويجبرها على التوقف ووضعها فيما بعد ضمن حالة الانكشاف الدائم واستنزافها بالنار.
هذا التدبير كان مدروساً حيث ان الأماكن التي انسحب إليها الجيش السوري من الشمال في العامرية والمشروع 1070 ومن الجنوب في عين العصافير ومجبل الزفت تتيح للجيش سيطرة كاملة بالنار على كامل منطقة الكليات ونقطة العبور بين سيطرة الجماعات والأحياء الشرقية.
هذا الممر، الذي لم تستطع الجماعات الإرهابية استخدامه حتى هذه اللحظة كطريق آمن، تحول من هدف إلى كمين حيث لا تستطيع الجماعات الإرهابية التحرك عليه بالسيارات والآليات لا ليلاً ولا نهاراً خصوصاً بعد استعادة الجيش السوري لنقاط سيطرة مباشرة على الطريق وكان ذلك بسبب احتفاظ الجيش بنقاط تموضعه عند دوار الراموسة وبعض أجزاء الكلية الفنية الجوية شمال كلية المدفعية.
في الجانب الميداني نحن بالتأكيد أمام مشهد غير مستقر مفتوح على كل الإحتمالات. فالمعركة في الأساس هي معركة اردوغان الذي لم يصل مع روسيا بعد الى حالة الإتفاق الكامل وما نتج عن لقاء اردوغان والرئيس بوتين كان بمثابة إعلان نيات ووضع برنامج عمل لا يمكن ترجمة مضمونه الا بمرور شهور وهو ما يعني عدم الذهاب بعيداً في توقع انعطافة تركية وبقاء حالة الإشتباك غير المباشر بين روسيا وتركيا إلى حين. وهو ما يجب البناء عليه وعدم الإفراط في التفاؤل حول متغيرات كبيرة في الموقف التركي من الحرب على سوريا فالمفاوضات الروسية – التركية في بدايتها وتحتاج إلى وقت طويل ليتبلور واقع جديد ومواقف حاسمة خصوصاً أن التجاذب بين الأتراك والغرب وعلى رأسه أميركا لم يصل بعد إلى حد القطيعة ولا يمكن ان يصل الى حد العداء بسبب تشابك المصالح. فالروس يتعاطون مع المستجد في الموقف التركي بحذر شديد اخذين بعين الإعتبار مستوى الخبث والمراوغة الذي يمارسه اردوغان وهو ما يفرض البطء في رسم مسار العلاقات التي تقتصر حتى اللحظة على الجانب الإقتصادي مع إعلان نوايا حول تطابق النظرة حول الإرهاب الذي يحتاج إلى ترجمة فعلية من الأتراك عبر إقفال الحدود إمام الجماعات الإرهابية وأمور أخرى.
من خلال الواقعين الميداني والسياسي يجب ان نتوقع هجمات جديدة للجماعات الإرهابية في حلب تحديداً ، فاردوغان الذي لم يستطع أن يحمل معه ورقة قوية إلى لقائه بالرئيس بوتين سيعمد إلى الحصول عليها في القادم من الأيام وهذا ما يعني البقاء في حالة استعداد عسكرية وتنظيم خطوط المدافعة لا بل الإنتقال إلى الهجوم المضاد وفتح أكثر من جبهة سواء باتجاه أرياف ادلب من جبال اللاذقية الشرقية عبر استكمال الهجوم إلى بداما فجسر الشغور أو من خلال تطوير عمليات هجومية في ريف حلب الجنوبي نحو أبو الضهور جنوباً والعمل على استعادة منطقة الكليات واستكمال التقدم نحو خان طومان واستعادة خلصة وتل العيس لقطع طريق حلب – دمشق الأساسي .
هذه العمليات بالتأكيد تحتاج إلى قرار هو في الأصل موجود ولكنه يحتاج إلى أعلى مستوى من التنسيق بين الجيش السوري وحلفائه ، فتأمين مساحات آمان إضافية حول حلب وتشديد الطوق حول الأحياء الشرقية يساهم في رسم متغيرات جدية تجعل أي تفاوض مقبل لمصلحة الدولة السورية
بيروت 2016.08.10
------------------
(*) عمر معربوني:ضابط سابق-لبنان، خريج الأكاديمية العسكرية السوفيتية
الزيارات: 6224