"ميسلون" - عمر معربوني
إن مقاربة واقعية لمسار الجماعات الإرهابية، منذ ما قبل نشوء تنظيم القاعدة الأم في أفغانستان يؤكد أن هذه الجماعات بدأت بالإنحدار، والسقوط كقوة منظمة وصلت إلى مرحلة الجيوش، فبعد أن وصلت هذه الجماعات إلى مستوى غير مسبوق من الإعداد والتنظيم والعديد البشري ونوعية التسليح، يبدو واضحاً أن معركتي الموصل وحلب تدلنا بوضوح على المسار المقبل الذي ستسلكه هذه الجماعات.
منذ أيام قليلة صرح المحيسني القاضي العام في غرفة عمليات " جيش الفتح " بأن: "أهل السنّة ينتهون ..!" - هنا ننقل التعبير كما ورد - على لسان المحيسني بعد أن أورد مجموعة من التبريرات التي أدّت إلى خسارة الجماعات الإرهابية لمعركة حلب، وعلى رأسها قضية التفرق وحمّل تنظيمي جبهة النصرة وحركة أحرار الشام المسؤولية المباشرة عن الوصول إلى هذه النتيجة، كما أكد المحيسني على ضرورة حدوث الإندماج كشرط لإكمال المواجهة واعتبر ذلك شرطاً أساسياً لتحقيق الانتصار.
وكان أيمن الهاروش قاضي حركة أحرار الشام قد أعلن منذ أكثر من أسبوع أن الجماعات الإرهابية يجب أن تستعد للإنتقال من المعركة العسكرية والإنكفاء وإعادة تنظيم الصفوف للمباشرة بدخول مرحلة العمل الأمني ، وهو حدد جبهتين أساسيتين كساحات للعمل الأمني وهما دمشق والساحل . في المقابل ورد على لسان ديميستورا كلام يتماهى مع كلام المحيسني حول ضرورة إشراك السنًة بالتسوية كمدخل أساسي لهزيمة "داعش" بعد أن فشل طرحه بالدعوة إلى منح الجماعات الإرهابية في حلب الإدارة الذاتية وهو طرح يبرز هذه الأيام لدى الإدارات الأوروبية حول الأمر نفسه حيث تبدي دول أوروبية رغبتها في مساعدة سورية مالياً مقابل منح المحافظات استقلالاً إداريا والعمل على دمج الجماعات الإرهابية في قوى الأمن كل في محافظته.
إذا ما أخذنا التصريحات الثلاثة للمحيسني ، الهاروش، وديميستورا، وما يبرز من طروحات أوروبية لوجدنا بشكل لا يقبل الجدل الرغبة في إيجاد مخارج لدى هذه الأطراف بالإبقاء على الجماعات الإرهابية من خلال شكل جديد يبقيها قادرة على التأثير في سورية من خلال منحها صلاحيات إدارية وسياسية تجعل منها في الحد الأدنى شريكاً اقله في المرحلة الحالية واستعداداً لتمكين هذه الجماعات مجدداً الإنقضاض على الدولة بأشكال أخرى.
في الميدان يبدو واضحاً أننا نتجه نحو متغيرات جذرية يمكن الجزم من خلالها أن الدولة السورية قد استعادت زمام المبادرة على المستوى الميداني وتحديداً في حلب التي وصلت المعركة فيها بما يرتبط بالأحياء الشرقية إلى خواتيمها حيث استطاعت وحدات الجيش العربي السوري أن تحقق سيطرة تامّة على أكثر من 50% من هذه الأحياء وهي في طريقها إلى استكمال عمليات التقدم نحو الأحياء المتبقية رغم الكثير من الضجيج الذي يواكب هذا التقدم سواء من جانب الأمم المتحدة أو من الأميركيين والأوروبيين أو من غيرهم من القوى والأطراف الداعمة للجماعات الإرهابية حيث تكثر الإقتراحات حول إيجاد مخرج يحافظ على ما تبقى من هذه الجماعات الإرهابية وهنا لا بد من الإشارة إلى أن القيادة السورية أعلنت استمرارها في العمليات بالتزامن مع نقاش الإجراءات التي يمكن اعتمادها لإخراج مسلحي الجماعات الإرهابية خارج المدينة وهو أمر موضع خلاف بين الجماعات ذاتها حيث يرغب البعض بالخروج بينما يرغب البعض الآخر بالقتال حتى الطلقة الأخيرة كما يصرحون.
في كل الأحوال إن نتائج معركة حلب في البعد الميداني ستترك آثارا كبيرة على الجانب السياسي، ولكنها لن تُنهي المعركة العسكرية قريباً مع القناعة أن معركة حلب عجلت من انتهاء هذه المعركة التي تتخذ طابع المواجهة العسكرية الميدانية والتي ستنتقل بعد فترة إلى مرحلة المواجهة الأمنية كما صرح أيمن الهاروش قاضي حركة أحرار الشام وهي المعركة التي تستعد الدولة السورية لخوضها بكل إمكانياتها وقدراتها والتي لن تكون معركة سهلة ولكنها لن تحقق للجماعات الإرهابية أهدافها وهذا ما سيجبرها على الإنكفاء إلى ساحات " جهادية " أخرى تتراوح بين سيناء واليمن ولبنان كدول مرشحة أكثر من غيرها لاستيعاب أعداد الفارين من المعارك في العراق وسوريا.
2016.12.03
(*)عمر معربوني :ضابط سابق - خريج الأكاديمية العسكرية السوفيتية .
الزيارات: 3456