"ميسلون" - عمر معربوني
قد يعتقد البعض أن التسرع يواكب عنوان هذه المقالة ، فكيف يمكن ان نعلن نصراً لم يصل إلى خواتيمه بعد ، وما مدى مطابقة العنوان لمعايير البحث العلمي الواقعي بعيداً عن العاطفية التي تواكب عادة لحظات الانتصارات المتتالية وخصوصاً في حلب التي اكتسبت معاركها العديد من المسميات والصفات وعلى رأسها مسمى أم المعارك ؟
إن حسابات النصر والخسارة تخضع لمجموعة من المعايير نستطيع القول أن الجيش السوري قد حقق اغلبها وهو ما سيكون موضوع بحثنا في هذه المقالة.
ولكن قبل الدخول إلى البحث لا بد من الإشارة إلى مستجدات الميدان في الأحياء الشرقية لمدينة حلب حيث بلغت نسبة سيطرة الجيش السوري حتى لحظة كتابة هذه المقالة ما يوازي 88% من مجموعة مساحة السيطرة السابقة للجماعات الإرهابية وهو أمر تم خلال أيام قليلة وكان مخالفاً لتوقعات الجميع وأكثر تفاؤلاً حول المدة الزمنية التي من المقدر أن تستغرقها العمليات.
وفي مقاربة سريعة لما حصل كان واضحاً أن اختيار الجيش السوري لحي "مساكن هنانو" كمنطلق للعمليات شكل عنصر المفاجأة الأول للجماعات الإرهابية التي لم تكن تتوقع أن يتم الهجوم من هذا المحور الذي كان يحتوي دفاعات وتحصينات كبيرة ويعتبر خلفية وعمق الأحياء الشرقية لجهة تموضع المستودعات وغرف العمليات ومرابض المدفعية وهو الأمر الذي أدى إلى فقدان الإرهابيين قدرات السيطرة والقيادة ووضعهم في حالة الانهيار الإدراكي وهو الأمر الذي استتبعه الجيش السوري بهجمات مشابهة من جهة السكن الشباب ، وكان واضحاً منذ البداية أن الجيش ينوي تقسيم أحياء شرق حلب إلى مربعات لعزلها ومنع الجماعات الإرهابية من تحقيق المؤازرة والمناورة وهو النمط الذي تعتمده القوات المتقدمة حتى اللحظة وأدى إلى دخول الإرهابيين في حالة الإنهيار العسكري بعد دخولهم مرحلة الإنهيار الإدراكي التي يعيشها اغلبهم في الأحياء المتبقية تحت سيطرتهم ويجعلنا نتيقن من نتيجة العمليات والتي ستنتهي إما بخروج بتسليم الإرهابيين أنفسهم أو تعرضهم للقتل أو الأسر.
وان كانت العمليات في الأحياء الشرقية باتت محسومة بات الكلام مرتبطاً ما بعد هذه العمليات والتي ستكون سبباً في تحولات جيوسياسية كبيرة وترددات تلامس دوائر القرار في الإقليم والعالم ما يعنياننا دخلنا مرحلة مختلفة تماماً من حيث النتائج المباشرة وتحولات الميدان على المستوى الإستراتيجي . المرحلة القادمة ستشهد بالتأكيد إخراج مدينة حلب من دائرة الخطر النهائي عبر استئناف العمليات في الريف الشمالي وفي الريفين الجنوبي الغربي والشرقي نحو مدينة الباب والعمل على تثبيت نقاط ارتكاز لخوض معركتين :
1.المعركة الأولى وستتركز على منطقتين وهما ادلب وأريافها والغوطة الشرقية وفي هذا الصدد لا بد من التوضيح أن مساحة سيطرة الجماعات الإرهابية في الغوطة الشرقية قد تقلصت إلى حوالي 375 كلم مربع بعد أن كانت قبل سنة تقريباً حوالي ال 800 كلم مربع ما سيضع دوما في دائرة الطوق ويجعل مصيرها مشابهاً لمصير الأحياء الشرقية في مدينة حلب إضافة إلى استئناف عمليات التسوية فيما تبقى من أرياف دمشق وهي عمليات ستتسارع كثيراً بعد المصير الذي سيلقاه إرهابيو حلب مع الإشارة إلى أن مساحة تواجد الجماعات الإرهابية في محيط العاصمة قد تقلص كثيراً ولم تعد هذه الجماعات قادرة على تهديد العاصمة بأية هجمات سوى إمكانية إطلاقها للقذائف والصواريخ وهو ما سينتهي في قادم الأيام ، أما بالنسبة لمدينة ادلب وأريافها فهي معركة تنتظر برأيي استكمال العمليات في الريفين الغربي والجنوبي الغربي ووصول وحدات الجيش السوري إلى خان طومان والزربة غرباً وأبو الضهور وسراقب جنوبا مع الإشارة إلى أن عمليات ادلب ستنطلق من ثلاثة محاور وسينضم اليها احتياطي بشري كبير يكون قد أنهى العمليات في حلب وأريافها وهو ما ينطبق أيضا على الغوطة الغربية حيث ستنضم وحدات كبيرة إلى معارك الغوطة
2.المعركة الثانية هي معركة استعادة مناطق النفط والزراعة شرق مص والمنطقة الشرقية حيث سنكون أمام معارك طاحنة وسريعة وربما تشارك فيها الولايات المتحدة إذا ما صدق الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تصريحاته حول عدم اعتماد سياسة هدم الأنظمة ومحاربة الإرهاب انطلاقاً من النظرة التي طرحا وهي نظرة تعتبر كل من يحمل السلاح إرهابياً وهو تحول هام إن دخل مرحلة التطبيق مع تأكيدي على أن هذه المعركة ستتزامن مع معركة الجنوب السوري حيث ربما ستشهد هذه الجبهة تطورات مفاجئة سيكون فيها للكيان الصهيوني دور كبير.
وبالعودة إلى عنوان المقال هل انتصرت سوريا ؟؟ والجواب هو نعم حيث باتت الدولة السورية تسيطر على منطقة الثقل الإستراتيجي الذي يضم امتداداً جغرافياً يحتوي على المدن الكبرى والغالبية الساحقة من السكان ومناطق الإنتاج والموانئ الجوية والبحرية وغالبية طرق الربط الأساسية بين المدن بإستثناء طريق الربط بين حمص وحماه وحماه وحلب وهو ما سيندرج ضمن العمليات القادمة كأولوية كما أن عودة حلب كاملة إلى سيطرة الدولة سيعجل في عملية الإنتاج حيث اصدر مجلس الوزراء السوري منذ أسبوعين تقريباً قراراً بإعادة تفعيل المنطقة الصناعية في حلب والتي إذا ما عادت مصانعها إلى الإنتاج فإن ذلك سيعيد تفعيل الإقتصاد ويساهم في رفع سعر الليرة السورية أمام الدولار وهو أمر ينطبق على الغوطة الشرقية وعلى مناطق النفط والزراعة . قد لا تنتهي الحرب العسكرية ببعدها الشامل إلا بعد شهور من كتابة هذه المقالة إلا أننا بتنا على مشارف تحقيق النصر الناجز والتام الذي تتوفر شروطه بسرعة خصوصاً أن روسيا وإيران ودولاً كثيرة تؤمن للمعركة مستلزماتها بما فيها الغطاء السياسي وهو عامل هام من عوامل تحقيق الانتصار
2016.12.07
-------------
(*)عمر معربوني: ضابط سابق، خريج الأكاديمية العسكرية السوفيتية.
الزيارات: 4050