"ميسلون"- حسن عماشا
يعلّق المراقبون آمالاً كبيرة على مؤتمر الآستانة برعاية روسية – تركية حول الصراع في سوريا غير أن كل من روسيا وتركيا يدركان تماما أن هذا (المؤتمر) لا يحمل أكثر من تأمين غسل أيادي تركيا من سياساتها السابقة تجاه سوريا خصوصاً ودورها في المنطقة عموماً في محاولة لإعادة تموضعها في مجرى الصراع .
أما روسيا يكفيها، وهذا ما تحقق لها بنسبة كبيرة، أن تلعب دور إطفائي الحرائق التي أشعلتها الولايات المتحدة وجرّت إليها كل أدواتها في المنطقة حتى أمست عاجزة عن التحكّم في مساراتها ليس لأنها فقدت السيطرة على أدواتها إنما لأن هذه الأدوات ثبت إفلاسها وعجزها بمواجهة محور المقاومة الذي انتقل من إستراتيجية الدفاع إلى إستراتيجية الهجوم.
ليست نتائج معركة حلب إلاّ تتويجاً لمسار في إستراتيجية الهجوم التي بدأت في معركة "تحرير القلمون"، ومن ثم تطهير أرياف دمشق وبعض أحيائها سواءً في تشديد الحصار والحرب على العصابات المسلّحة أو عبر "المصالحات" التي تقضي بخروج المسلحين منها أو تسوية أوضاعهم على قاعدة التخلّي عن سلاحهم والعودة للانتظام في "الدولة".
وهذا كان قد بدأ قبل التدخل الروسي المباشر وهو يحل إلى اليوم بمعزل عن أي تدخل خارجي حتى من قبل "الأمم المتحدة" وحصرا من خلال مؤسسات الدولة السورية الأمنية – العسكرية والاجتماعية عبر الهلال الأحمر السوري _وليس الصليب الأحمر الدولي الذي ثبت فشله بحكم التأثير الدولي الذي يخضع له في أكثر من مناسبة.
كان التدخل الروسي المباشر في الحرب فرصة قطفتها روسيا بعد سقوط القلمون وفشل الحشد لإسقاط دمشق والانهيار المتسارع للجماعات المسلحة الذي مثل حاجة مزدوجة للأمريكيين وأدواتهم من جهة ومحور المقاومة من جهة أخرى .
بالنسبة لأميركا وأدواتها (بتفاوت ما بين الأدوات حول القبول بهذا التدخل) كان التدخل الروسي فرصة للحدّ من انهيار المجموعات المسلحة وتداعياته على المنطقة برمّتها وهدنة لالتقاط الأنفاس وإعادة تجميع الأوراق .
أما بالنسبة لمحور المقاومة وفّر التدخل الروسي مظلة دولية تعيد رسم الأولويات لدى جميع الدول المتدخلة في الصراع على المنطقة ووضع عنواناً جديداً للصراع فتبدّل من "تغيير النظام " إلى "الحرب على الإرهاب". إذا كان مسار إستراتيجية الهجوم الذي اتخذه محور المقاومة لم يقنع أدوات أميركا، من عصابات مسلحة ودويلات ودول، بإفلاسهم وعجزهم جاءت معركة تحرير حلب واستعادتها إلى حضن الدولة السورية لتحسم هذا الخيار بشكل نهائي فسارعت قوى التآمر إلى إعادة ترتيب خياراتها وتركيا أكثر المعنيين بهذا الترتيب لأن ارتدادات الهزيمة تنعكس على أوضاعها الداخلية بشكل مباشر بتهديد أمنها واستقرارها من جهة، وترفع حواجز كثيرة في وجهها تجاه دول الجوار سواءً في المنطقة أو تجاه أوروبا.
أما روسيا وبعد هذا التحوّل فقد أمست المرجع الضامن لدى كل الدول المعنيّة في الصراع للحفاظ على الخارطة الجيوسياسية في المنطقة وتستند إلى هذا التحول لتستعيد دورا كانت قد فقدته إثر انهيار "الاتحاد السوفيتي" – بل وأكثر فقد وفّر لها الحماية من العبث الأميركي الغربي في محاور عدة على حدودها من البلقان إلى أوكرانيا وها هي اليوم تتوجه في رسم مسارات الأحداث في عموم المنطقة، وخير مؤشر هو الموقف الأخير للخارجية الروسية تجاه الأوضاع في ليبيا والمغرب العربي، في هذا السياق تأتي الآستانة محطة لن تؤثر مفاعيلها على مجرى الصراع الميداني في سوريا سوى أنها سوف تكرّس الفرز الواقعي في تصنيف القوى المسلحة من "إرهابية" ترتبط مباشرة بالولايات المتحدة والكيان الصهيوني وأدوات محلية لا وزن لها ولا قوة تؤثر في مسار الأحداث ما سيؤمن للجيش العربي السوري وحلفائه المظلة الإقليمية والدولية في حربه لتحرير باقي الأرض السورية وهنا الصراع مفتوح ومتداخل ليس في سوريا والعراق وحسب بل أيضا في مساره نحو ليبيا ومصر والمغرب العربي إلى جانب انه سوف يقترب أكثر نحو المواجهة المباشرة مع أدوات أميركا والغرب الأكثر ارتباطا فيهما وعلى رأسهم الكيان الصهيوني والإرهاب العابر للحدود. لن تكون الآستانة إلا محطة على غرار "جنيف ولوزان" ومن ثم "الاتفاق الثلاثي" اللبنانيان ومسار الأحداث وطبيعة القوى لا تؤشران إلى "طائف" سوري إنما تعيد الروح إلى "اتفاق القاهرة في روحه واتجاهه العام بحلة مختلفة كسوة تلف المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج.
2017.01.23
الزيارات: 2785