"ميسلون"- ايطاليا- علي جزيني(*)
تحيّز تقارير منظمة العفو الدولية الفقيرة والمنسية عن سجون الأمريكي في العراق وكوبا، والتي تكاد لا تجد لها أثراً بعد فترة من صدورها، ليس بجديد.
تقارير المنظمة الدولية التي تتخذ من لندن مقراً لها، عن الحرب المندلعة في سوريا والعراق تظهر هوس المنظمة بالمآسي اليزيدية والكردية التي ارتكبها "داعش" في العراق، وبمذابح "النظام السوري" التي تقترب (تقترب ولا توازي لكي لا تزعج الصهاينة) من أهوال المحرقة اليهودية.
الجانب الأول من المسألة يمكن رده إلى صورة إباحية إستشراقية يحتويها دماغ الرجل الأبيض، منذ الاستعمار الفرنسي لشمال أفريقيا، عن نساء "المشرق" بشكل عام كمستضعفات ضعيفات مسلوبات الإرادة يحتجن دوماً إلى شهامته وعطفه لإنقاذهن وتخليصهن من هذا الكرب. وصولاً لإستجرار تأييد معظم الفئات المجتمعية الغربية، وحتى اليسارية الشبابية منها، تلك التي تدّعي معارضة الهيمنة الأمريكية، لعمليات التحالف الدولي (الأمريكي افتراضاً) الذي دمّر في البلدين أكثر مما حارب التنظيم الإرهابي.
تتبدى الصورة العامة لهذا النوع من التقارير وكأن الإنسانية استيقظت فيها فجأة، أما التقارير التي تتناول الحرب على سوريا وتتناول "جرائم النظام" فحدّث ولا حرج، منذ أزمة الهجوم الكيماوي إلى حصار مضايا، تقارير لا تعد ولا تُحصى صدرت عن المنظمة. وتصدف أن في كل مرة يولد "ترند"، لأيام وأيام لا تسكت أبواق المواقع والمحطات الخليجية التمويل في الشرق والغرب، وخصوصاً الإنسانوية منها، فتستنفر المنظمات غير الحكومية ذات التمويل الأوروبي، بعكس ما كان يحدث لدى تقاريرها عن گوانتانامو مثلاً.
إن عودة لعام 1991 وما سبقه تظهر الكم الهائل من الأكاذيب التي سيقت ضد العراق آنذاك، ومنها ادعاءات بأن الجنود العراقيين قاموا بسحب قابسات الكهرباء عن الحاضنات الإصطناعية التي كانت تحوي رضعاً في الكويت. ظهر زيف هذه الأكاذيب لاحقاً، ووضعت التقارير في الأدراج، وتم دفن المسألة التي عفا عنها الزمن. أما عن الثمن فكان تدمير العراق حرفياً، ومقتل أكثر من نصف مليون رضيع عراقي من الحصار اللاحق.
تهدف مثل هذه التقارير بالمحصلة إلى تبرير حروب همجية إمبراطوريه قادمة على بلد "مارق" ما، عبر شيطنته وتعويد الرأي العام على السكوت، إذا لم يكن على التأييد لقرارات تبتدأ من تسليح مليشيات (السي آي آيه) القاعدية في سوريا، ولا تنتهي بتدخل محتمل يبتغي تقسيم البلد وإفشال نموذج الدولة فيه على طريقة يوغوسلاڤيا في التسعينات.
في ظل هذه الظروف لا يمكن التعامل مع هكذا تقارير مدفوعة مادياً ومعنوياً، ولو كتبها مكتب المنظمة الإقليمي في بيروت، إلا على شكل عمل حربي ممهّد، وكجزء لا يتجزّأ ولا يفصل بحجة الضمير والإنسانية عن الحرب بأهدافها وكليّتها. ويجب التعامل مع كتبته والمروّجين له على هذا الأساس.
لا شك بأن ممارسة العنف لمجرد العنف لهو أمرٌ مقيت ومرعب، وحتى مضرٌّ لأي نظام ينتهجه على المدى الطويل. ولكن تاريخاً طويلاً من انقلابات المخابرات المركزية وتحريكها لمنظمات دولية من أيام الزعيم جوزيف ستالين، يجب أن يخلق وعياً طبيعيا أو مناعة تجاه هذا النوع من الهجمات.
2017.02.10
-----
(*)علي جزيني: كاتب لبناني مقيم في ايطاليا
الزيارات: 3582