"ميسلون" – عمرمعربوني(*)
رغم كل النداءات التي صَدرت من جهات "شرعيّة" وتنظيمية مختلفة لوقف القتال بين "جيش الإسلام" من جهة و"فيلق الرحمن وجبهة النصرة" من جهة أخرى لم تتوقف المعارك والحصيلة أكثر من 200 قتيل وضعفهم من الجرحى في صفوف الطرفين والمدنيين .
هذه المعارك التي تدور حالياً هي امتداد لمعارك سابقة حصلت منذ سنة بنفس الطريقة والوتيرة وهي في الحقيقة معارك لن تنتهي أو تتوقف إلا بانتصار أحد الفريقين.
مع بداية إطلاق الحرب على سوريا وتماهياً وتناغماً مع طبيعة أهداف هذه الحرب كان الطرف الأميركي الذي يقود الحرب حريصاً أن تنشأ عشرات بل مئات الجماعات المسلّحة مخالفة التوجهات والعقائد لضمان استمرار الفوضى والتذابح بين هذه الجماعات حتى ما بعد إسقاط الدولة السورية وتفكيك الجيش والمؤسسات وهو ما يحصل فعلا منذ بداية الحرب ولا يعتبر شيئاً جديداً أبداً . الإقتتال بين الجماعات الإرهابية لم يرتبط بالغوطة الشرقية فقط بل حصل في كل مناطق سيطرة الجماعات الإرهابية ولكن اعنف المعارك على الإطلاق تحصل في أدلب وأرياف حلب والغوطة الشرقية مع الإشارة إلى حصول معارك مشابهة في مخيم اليرموك والقلمون الغربي والقلمون الشرقي . ولتبيان طبيعة هذه المعارك لا بد من العودة إلى ظروف نشوء هذه الجماعات والتي تنتسب بأغلبها لتيارين أساسيين:
1. الأخوان المسلمين والذي يتمثل بشكل أساسي في التنظيمات العسكرية المدعومة من تركيا وقطر وأهمها حركة أحرار الشام والألوية والكتائب التي تقاتل في حلب وادلب وهي في غالبها تنظيمات قاتلت تحت قيادة "الجيش السوري الحرّ" الذي تحمل معظم كتائبه ومجموعاته أسماء إسلامية وتعاونت في فترات مختلفة مع تنظيم جبهة النصرة وفيلق الرحمن في أكثر من مكان .
2. السلفيون الجهاديون وهم في غالبيتهم يعتنقون العقيدة الوهابية ويتبعون تنظيمياً ومالياً للسعودية وهم مزيج من سوريين ووافدين يطلقون عليهم لقب المهاجرين وقد وفدوا إلى سوريا من 93 بلداً حول العالم وباتوا يشكلون قوّة رئيسية وأساسية في حالة المجموعات الإرهابية المقاتلة في سوريا . بالنسبة "لجيش الإسلام" فهو احد الجماعات الإرهابية الكبيرة في سوريا ، أسّسه زهران علوش الذي درس في كلية الشريعة السورية ومن ثم سافر إلى السعودية حيث يقيم والده عبدالله المقرب من الأسرة الحاكمة وحيث عمل بعد عودته من السعودية في العام 2009 على تأسيس خلايا سرية سلفية ما أدى إلى إلقاء القبض عليه ومن ثم الإفراج عنه منتصف عام 2011 بموجب قانون عفو خاص من الرئيس الأسد كبادرة حسن نية مع الكثيرين غيره من المعتقلين بهدف إعادة دمجهم في المجتمع الأمر الذي لم يحصل ليبادر علوش وغيره إلى إنشاء مجموعات مسلحة استطاعت خلال سنة واحدة أن تكون من أقوى الجماعات الإرهابية المسلحة في سوريا وتنامت من سرية إلى لواء وفيما إلى جيش ضم حوالي 55 لواءً وفصيلاً اندمجت جميعها في " جيش الإسلام " وشكّلت قوة كبيرة أوكلت إليها مهمة السيطرة على العاصمة دمشق عبر معارك عديدة أبرزها : عمليات دمشق وريفها – عمليات القصاص العادل – معركة الفرقان – عمليات رمضان النصر – عمليات حمص والقلمون – عمليات حلب وبادية الشام – عمليات الساحل السوري.
استطاع "جيش الإسلام " بحكم حصوله على مساعدات مالية ضخمة من السعودية ان يجذب الآف الشباب عبر عاملي المال وفكرة الخلافة وهو الأمر الذي أتاح له ان يكون التنظيم شبه الأوحد في الغوطة الشرقية وتنظيماً فاعلاً في مناطق أخرى من خلال انضمام جيش الإسلام إلى الجبهة الإسلامية . أما بالنسبة لفيلق الرحمن فهو تشكيل عسكري تابع " للجيش السوري الحرّ " أسّسه نقيب منشق يدعى عبد الناصر شمير تحالف فيما بعد مع الإتحاد الإسلامي لأجناد الشام ويربطه بجبهة النصرة علاقات جيدة تعود بشكل رئيسي إلى حاجة الطرفين التفاعل فيما بينهما بشكل ايجابي لتحاشي سطوة جيش الإسلام" الذي يبلغ تعداد عديدة أكثر من 15 ألف مقابل 4 ألآف لفيلق الرحمن وحوالي 600 لجبهة النصرة . " جيش الإسلام " الذي أطلق المعارك ضد جبهة النصرة وفيلق الرحمن أعلن انه لن يوقف الهجوم حتى إنهاء جبهة النصرة بشكل أساسي ومحاسبة مسؤوليها . هذه المعارك لا يمكن تجريدها من العامل الإقليمي الذي يعكس طبيعة الصراع الخفي بين السعودية وقطر كما لا يمكن فصله عن العامل المحلي المرتبط بنقاط ومواضع السيطرة وخصوصاً توجه جيش الإسلام للسيطرة على نقاط يسيطر عليها فيلق الرحمن والنصرة في جوبر وزملكا والقابون وما تشكله القابون من عامل أساسي في تزويد الغوطة الشرقية بما يلزمها من مواد مختلفة حيث شكّلت عمليات الجيش السوري في القابون عامل ضغط كبير يعتبر "جيش الإسلام" من حقه الوصول إلى هذه النقاط وإعادة تعديل ميزان القوى فيها ومنع الجيش العربي السوري من إحداث عملية الفصل والسيطرة على القابون بشكل كامل مع أنفاقها التي تمثل الرئة التي تتنفس منها الغوطة الشرقية.
من المتوقع أن تستمر هذه المعارك حتى لو توقفت لفترة على اعتبار أن عوامل التناقض بين المتقاتلين تطال جوانب متعددة من بينها العامل العقائدي الذي يعكس التناقض التاريخي بين الأخوان المسلمين والسلفية الجهادية وهو الأمر الذي سيكون له صداه الإيجابي لمصلحة الدولة السورية في قادم الأيام.
2017.05.01
---------------
(*) عمر معربوني: ضابط سابق - خريج الأكاديمية العسكرية السوفيتية.
الزيارات: 2924