"ميسلون"- عمر معربوني(*)
رغم كل التعقيدات والظروف الصعبة التي تحيط بحامية مدينة دير الزور ومطارها واللواء 137 فيها لا تزال هذه القوات متشبثة بمواقعها رغم الضغوط غير الاعتيادية من تنظيم "داعش" والهادفة إلى إنهاء تواجد الجيش العربي السوري هناك. كذلك الأمر مع وحدات الجيش العربي السوري التي تقاتل في محيط درعا والسويداء وكذلك في القنيطرة ضمن ظروف ضاغطة ومعقدة .لم يكن تمسك القيادة السورية بتواجد قواتها في هذه المناطق عبثياً رغم الكلفة العالية لبقائها في البعد العسكري، حيث كان أفضل في البعد العسكري لو أن وحدات الجيش العربي السوري قلّصت نطاق سيطرتها الجغرافية ما يزيد من قوة الجهد العسكري والقتالي ، لكن معرفة القيادة العسكرية لطبيعة المعركة وأهدافها أخذت الأمور باتجاه التمسك بجغرافيا الجنوب والقنيطرة وكذلك ما أمكن الحفاظ عليه من مواقع وقوات في دير الزور والحسكة .
الولايات المتحدة التي تقود الحرب على سوريا كانت تفضل أن تسيطر على سوريا وتفكك جيشها وتحولها إلى دولة فاشلة في البداية ومن ثم الانتقال بها إلى التفكيك والتقسيم بنتيجة ما كان مقرراً من تناحر بين القوى والأدوات التي ستسود بنتيجة انهيار الدولة السورية وسقوطها، لكن صمود الدولة بكل مؤسساتها وعلى رأسها مؤسسة الجيش ذهب بالوضع باتجاه آخر ومختلف عما خططت الولايات المتحدة، حيث نجحت الدولة السورية أن ترسي سيطرتها على منطقة القلب السوري بكل أبعاده الإستراتيجية التي تؤمن للدولة الاستمرار في تأدية واجباتها السيادية وهو العامل الأهم من عوامل الصمود، رغم المصاعب الكثير على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي الناتجين عن حالة الحرب والحصار والعقوبات التي تتعرض لها سوريا ورغم فقدان الدولة لأهم مواردها في الزراعة والنفط، ومع ذلك فإن استطاعة الجيش العربي السوري من فرض سيطرته على منطقة الثقل الإستراتيجي للدولة عزز من إمكانية الاستمرار في المواجهة والانتقال إلى مرحلة الهجوم المضاد.
الولايات المتحدة التي أدركت هذه المتغيرات وخصوصاً بعد انتصار حلب الكبير بدأت بانتهاج أساليب وآليات مغايرة تعتمد أكثر على التدخل المباشر بعد وصول الأدوات إلى مرحلة العجز عن تمزيق الدولة بشكل نهائي. الأهداف الأميركية نفسها وذاتها لم تتغير، وما تغير الآن هو الآليات والأساليب وبالنظر إلى أهداف الحرب التي لم تستطع الولايات المتحدة تحقيقها بالإملاء والسياسة ونقصد هنا ما حصل من ضغوطات على سوريا بعد احتلال الولايات المتحدة للعراق حاولت اميركا فرضه بالحرب عبر الوكلاء مهما اختلفت مسمياتهم .
من المعروف أن سوريا تشكل على المستوى الجغرافي نقطة ربط هامة بين أسيا وإفريقيا وأوروبا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار انتزاع لبنان وفلسطين من بلاد الشام خصوصاً أن سوريا هي المنفذ الوحيد للبر الآسيوي على البحر المتوسط وتالياً على العالم. لهذا وبعد مرور ست سنوات من الحرب على سوريا والتي كانت خالية من معالم خطة إستراتيجية واضحة معتمدة على ترك الفوضى تأخذ مسارها على أن تستثمر اميركا في ناتج الفوضى نصبح الآن أمام معالم خطة واضحة ذات معالم ومسارات مترابطة تتمثل:
1.إقامة منطقة عازلة في الشرق تحت أي مسمى سواء كان إقليما أو كانتوناً أو أي مسمى آخر يسيطر عليه الأكراد بشكل أساسي في شمال شرق سوريا على أن يتحد مع إقليم كردستان العراق لاحقاً فتصبح "إسرائيل" من خلال تموضع مباشر واستخباراتي وتقني على الحدود مباشرة مع إيران وعلى أن يشكل هذا الإقليم منطقة عازلة بين إيران من جهة والعراق وسوريا من جهة أخرى ما يلغي الكثير من مكامن القوة لمحور المقاومة بما يرتبط بعملية الربط الجغرافية.
2.إقامة منطقة عازلة في الجنوب والجنوب الشرقي من سوريا تمتد من السويداء شرقاً إلى سفوح جبل الشيخ شرقاً بعمق يلامس ريف دمشق الغربي ما يؤمن عزلاً كاملاً لسوريا عن جغرافيا فلسطين المحتلة وهو ما سيضعف الجبهة اللبنانية بشكل كبير طبعاً هذا من وجهة النظر الأميركية. من خلال إقامة هاتين المنطقتين وهما المشروع الأخطر هناك بالطبع تحركات مشبوهة ومريبة في منطقة الأنبار يمكن أن تدغدغ المشاعر المذهبية وينتج عنها من جديد معالم "كانتون" سني عراقي على طول خط الحدود السورية – العراقية وهو أمر قد تكون بعض القيادات الرسمية العراقية مشاركة فيه وهو أمر متوقع ويمكن أن يذهب بالأمور داخل العراق إلى مرحلة عدم استقرار مجدداً وينتج ثلاثة دويلات سنية وشيعية وكردية . هكذا خططت الولايات المتحدة، وهكذا تعمل، ولكن ليس كل ما تريده الولايات المتحدة يمكن أن يتحقق، فطالما أن المخطط واضح وطالما أدواته معلومة فالمطلوب هو صياغة وقائع مضادة لمشروع واضح المعالم على مستوى محور المقاومة وهو ما بدأت معالمه بالظهور من خلال بدء معركة البادية والتوجه إلى فتح المعركة باتجاه دير الزور والحفاظ في الحد الأدنى على خطوط تموضع الجيش العربي السوري في الجنوب السوري.
2017.05.11
--------------
(*)عمر معربوني: ضابط سابق - خريج الأكاديمية العسكرية السوفيتية .
الزيارات: 2591