ترجمة: "ميسلون"- علي كوثراني
سيرة جيفري فيلتمان المهنية: انضم إلى وزارة الخارجية الأمريكية عام 1986، حيث خدم جولته الأولى كموظفٍ قنصليٍّ في هايتي. شغل منصب المسؤول الاقتصادي في سفارة الولايات المتحدة في المجر من 1988 إلى 1991، وتخلَّلت عمله هناك احتجاجات عام 1989. من 1991 إلى 1993، عمل في مكتب نائب وزير الخارجية كمساعدٍ خاصٍّ يركز على تنسيق المساعدات الأمريكية لأوروبا الشرقية والوسطى. بعد عامٍ من الدراسات العربية في الجامعة الأردنية في عمان، خدم في السفارة الأمريكية في تل أبيب من 1995 إلى 1998، حيث تناول القضايا الاقتصادية في قطاع غزة. من عام 1998 إلى 2000 شغل منصب رئيس القسم السياسي والاقتصادي في السفارة الأمريكية في تونس. عمل في السفارة تل أبيب كمساعدٍ خاصٍّ للسفير مارتن إنديك في قضايا عملية السلام من عام 2000 إلى 2001. ثم انتقل إلى القنصلية الأمريكية العامة في القدس، حيث شغل منصب النائب الأول ثم المسؤول الرئيسي بالنيابة من 2002 إلى 2003. تطوع للعمل في مكتب سلطة التحالف المؤقتة في أربيل، العراق، في 2004، بعد الغزو الأمريكي. وانتقل ليصبح سفير الولايات المتحدة في لبنان من يوليو 2004 إلى 2008، وتخللت عمله في لبنان "ثورة الأرز 2005". شغل منصب مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى من 2009 إلى 2012 برتبة وزير مهنة، وذلك قبل توليه منصب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية حتى تقاعده في أبريل 2018. هو عضوٌ فاعلٌ في عدة مؤسساتٍ بحثيةٍ، لا سيما مؤسسة بروكينغز حيث هو وزميلٌ زائرٌ فيJohn C. Whitehead في مجالي الدبلوماسية الدولية والسياسة الخارجية.
ملاحظة مؤسسة بروكينغز: جيفري فيلتمان يدلي بشهادته أمام اللجنة الفرعية لمجلس النواب الأمريكي حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والإرهاب الدولي حول "ما هو التالي بالنسبة للبنان؟ معاينة تداعيات الاحتجاجات الحالية. الشهادة الكاملة أدناه.
أشكر اللجنة الفرعية على دعوتي لمشاركة تحليلي للوضع في لبنان، لا سيما وأنها تتعلق بالمصالح الأمريكية. يجب أن أبدأ بالإشارة إلى أنني أمثل نفسي فقط أمامكم اليوم، فمؤسسة بروكينغز لا تأخذ أيَّ مواقفَ مؤسسيةٍ أو سياسية. أودُّ أيضًا أن أؤكد في البداية أن الاحتجاجات الحالية في لبنان لا تتعلق بالولايات المتحدة، وأننا يجب أن نتجنب أي شيءٍ من شأنه أن يحوِّل التركيز نحو الولايات المتحدة. لكن نتائج الاحتجاجات قد تؤثر على المصالح الأمريكية بشكلٍ إيجابيٍّ أو سلبي. لهذا السبب أرحب بشدةٍ باهتمام الكونغرس بلبنان في لحظةٍ يمكن أن تكون محوريةً في تاريخ ذاك البلد.
لبنان يهم الولايات المتحدة
هناك تصوران شائعان للبنان في الولايات المتحدة. النظرة الأولى رومانسيةٌ، ترى ديمقراطيةً متعددة الطوائف، منفتحةً نسبيًا، ومجتمعًا نابضًا بالحياة، تعرض ثقافةً ومأكولاتٍ وتاريخًا وكرم ضيافةٍ لا توصف. ووفقًا للنظرة الأخرى، فإن لبنان، بحربه الأهلية الدموية، حيث تم قتل المارينز والدبلوماسيين الأمريكيين، هو موقعٌ خطيرٌ لإيران، يهدد المصالح الأمريكية في المنطقة وخارجها.
مع بعض الحقيقة في كلا الوصفين، أودُّ أن أفتتح بمراجعة كيف يؤثر لبنان الصغير على المصالح الأمريكية بطرقٍ كبيرة. الأكثر وضوحًا هو إسقاط إيران لدورها الإقليمي الخبيث من خلال تصديرها الناجح، المتمثل بمنظمة حزب الله الإرهابية بقدراتها المتقدمة لتهديد إسرائيل وغيرها من حلفاء الولايات المتحدة. إضافةً إلى ذلك، فإن خطر قيام الجماعات المتطرفة السنية وتنظيم القاعدة أو "داعش" بإنشاء معاقلَ في لبنان قد تراجعت إلى حدٍّ كبيرٍ، وذلك بفضل الجهود المتواصلة، المثيرة للإعجاب، التي بذلتها القوات المسلحة اللبنانية. ولكن، كما حدث في العراق، يمكن أن تتآكل هذه المكاسب بسرعةٍ، مع تداعياتٍ دوليةٍ، إذ لم تكن اليقظة مستمرة.
يُظهر تاريخ حزب الله والجماعات الإرهابية السنية بوضوحٍ أن استقرار لبنان العام هو في صالحنا: لقد استغلت إيران الحرب الأهلية في لبنان، والصراع الداخلي في العراق عام 2003، والحروب الأهلية الأخيرة في سوريا واليمن، لتأسيس جذورٍ عميقةٍ ثبتت صعوبة القضاء عليها. وبعبارةٍ أخرى، أصبحت الحروب الأهلية أدواتٍ لتوسيع نفوذ إيران. الفوضى هي أيضًا أرضٌ خصبةٌ لتربية الإرهاب من نوع القاعدة، كما هو الحال في سوريا والعراق واليمن والصومال.
تنظر روسيا أيضًا إلى لبنان كمكانٍ لمواصلة توسعيها العدواني لدورها الإقليمي والمتوسطي. إن روسيا راسخةٌ في سوريا، وإن المرتزقة الروس الذين يمكِّنون هجوم الجنرال حفتر على طرابلس في ليبيا يمنحون موسكو موطئ قدمٍ في جنوب البحر المتوسط. إن موانئ لبنان الثلاثة ومخزونان الهيدروكربون البحرية، إذا استغلتها روسيا، ستغذي الإحساس بأن روسيا تفوز في شرق وجنوب البحر المتوسط، على حسابنا. مع وجود أكثر من 400 صينيٍّ في اليونيفيل في جنوب لبنان، قد ترى الصين أيضًا إمكاناتٍ في موانئ لبنان وموقعه – وقد يجد اللبنانيون صعوبةً في مقاومة تكنولوجيا الجيل الخامس الصينية، بالنظر إلى الحالة المؤسفة لشبكات الاتصالات الحالية في لبنان.
أقرب إلى لبنان، فإن بشار الأسد، المفترض أنه الدكتاتور القوي، والذي يعتمد بشكلٍ محرجٍ على روسيا وحزب الله وإيران لإعادة تأكيد سيطرته على معظم سوريا، سيحب بلا شكٍّ أن يفرض نفسه مرةً أخرى كوسيطٍ إقليميٍّ قويٍّ من خلال عكس مشهد إذلاله عام 2005، عندما أجبره مزيجٌ من الاحتجاجات اللبنانية والضغط الدولي بقيادة الرئيس جورج واكر بوش على إنهاء احتلال سوريا العسكري القمعي الطويل في لبنان. إن روسيا، التي لم تكنْ سعيدةً أبدًا بتركيز الرئيس بوش على حرية لبنان، قد تكون سعيدةً بتيسير استعادة الهيمنة السورية على جارها الصغير، لا سيما كغطاءٍ مناسبٍ لأهداف روسيا في لبنان.
باختصار، لبنان مكانٌ للمنافسة الإستراتيجية العالمية. الآخرون سوف يملؤون الفراغ بسعادةٍ إذا تنازلنا عن الأرض.
مهما كانت الديمقراطية اللبنانية مختلةً وظيفيًّا، فلدينا أيضًا مصالحُ في رؤيةٍ دولةٍ عربيةٍ متوسطيةٍ تتمتع بحرياتٍ مدنيةٍ قويةٍ نسبيًّا وتقاليدَ ديمقراطيةٍ وتعايش متعدد الطوائف. مع صِلاتهم الدولية القوية، يطمح معظم اللبنانيين إلى الارتباط سياسيًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا وماليًّا بالغرب التقليدي – أوروبا وأمريكا الشمالية – أكثر من إيران أو روسيا أو الصين. هناك تقاربٌ طبيعيٌّ بين معظم اللبنانيين والغرب يمكن أن يعمل لصالحنا. لكن بصفتهم مواطنين في بلدٍ صغيرٍ ضعيفٍ في منطقةٍ خطرةٍ، سيبحث اللبنانيون أيضًا، بطريقةٍ ليست غير عقلانيةٍ، عن شركاء خارجيين يمكن الاعتماد عليهم. مهما يكنْ لبنان محبِطًا "ومحتاجًا" ومعقدًا، نحن بحاجةٍ إلى أن نلعب اللعبة الطويلة، وأن لا نسمح لإيران أو سوريا أو الصين أو روسيا باستغلال غيابنا.
احتجاجات اللبنانيين الحالية تتقاطع مع المصالح الأمريكية
على مر السنين، تعجَّب الكثيرون منا من الخدعة المسرحية الأنيقة التي أتقنها لبنان: البقاء بطريقةٍ أو بأخرى عائمًا على المستوى السياسي والاقتصادي، وسط ظروفٍ وفاجعاتٍ توحي بانهيارٍ وشيك. غالبًا ما ثبت أن التنبؤات بنهاية لبنان، إن لم تكنْ مخطئة، فأنها سابقةٌ لأوانها على الأقل. هذه المرة، يبدو أن الستار قد أُسدِل على هذا الفعل الذي يتحدى الجاذبية. إن إدارة الدين الداخلي والخارجي للبنان لا تتعقد بشكلٍ متزايدٍ في اقتصاد لا ينمو فحسب، بل أن الجمهور مرهقٌ أو غاضبٌ، إلى حدٍّ كبيرٍ، من الخطاب الطائفي والأعذار التي يستخدمها القادة السياسيون للمؤسسة لتعزيز مصالحهم الضيقة، السياسية أو المالية، على حساب البلد ككل. لقد أصبحت الرعاية الطائفية التي تشحِّم مفاصل الاقتصاد اللبناني مفهومةً على نحوٍ متزايدٍ كنظامٍ لإبقاء الناس محصورين في السجون الطائفية. وفي الوقت نفسه، فإن المساواة في الدخل آخذةٌ في الارتفاع، بينما خلق فرص العمل في تراجع. نتيجةً لذلك، يخضع النظام السياسي اللبناني برمته الآن لتدقيقٍ عامٍّ شرسٍ، وحتى حزب الله قد أصبح هدفًا للنقد الواسع النطاق، وهو موضوعٌ سأناقشه بمزيدٍ من التفاصيل أدناه.
كما تشير التقارير الإعلامية، فإن الطبيعة المتعددة الطوائف للمظاهرات التي اندلعت في أكتوبر (عندما حاولت الحكومة فرض ضريبةٍ على رسائل WhatsApp في لحظةٍ فشكَّلت القشة التي قسمت ظهر البعير) هي منعشةٌ وملهمةٌ في السياق اللبناني. فالسنة والمسيحيون والشيعة والدروز جميعهم في الشوارع، ويصفون أنفسهم بأنهم لبنانيون أولًا بدلًا من الركون إلى هويتهم الطائفية. تفوق أهمية هذه الاحتجاجات أهمية الحركة التي بدأت في 14 مارس 2005 ، بعد اغتيال رفيق الحريري، لأن الشيعة انضموا هذه المرة. علاوةً على ذلك، كانت احتجاجات 2005 منصبةً على احتلال سوريا للبنان، الذي وجد جزءٌ كبيرٌ من السكان – مرةً أخرى، الشيعة إلى حدٍّ كبيرٍ – أنه ليس غير محتملٍ بالقدر الذي وجده الباقون في البلد. اليوم، يركز المحتجون على القضايا المحلية – الوظائف، وجمع القمامة، وخدمات المرافق العامة، وما إلى ذلك – والتي يمكن أن توحد اللبنانيين بدلًا من تقسيمهم. بمعنى آخر، هناك ضغطٌ واسع النطاق "من القاعدة إلى القمة" من أجل التغيير في لبنان.
على الرغم من أن الاحتجاجات لا تتعلق بالولايات المتحدة، فإن المظاهرات وردود الفعل عليها من جانب الزعماء اللبنانيين والمؤسسات اللبنانية تتقاطع مع المصالح الأمريكية لحسن الحظ. لطالما تبختر حزب الله على أنه "لا يقهر" و"نظيف" و"مناهض للمؤسسة" مقارنةً بالأحزاب اللبنانية الأخرى. إن خطابات الأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصر الله – الأربعة السابقة والمستقبلية منها –، والتي هدفت إلى التشكيك بالمظاهرات، قد قوَّضت رواية حزب الله، المُحاكة بعناية، بفعاليةٍ تفوق نتاج سنواتٍ من الجهود الأمريكية للقيام بذلك.
نصر الله، الذي يروِّج لنظرياتٍ سخيفةٍ عن التدخل الأجنبي، دعا إلى إنهاء المظاهرات؛ ولكنها استمرت. طلب من المتظاهرين الشيعة العودة إلى ديارهم. البعض فعل، لكن معظمهم لم يفعل. قال إن الحكومة يجب ألَّا تستقيل؛ فاستقال رئيس الوزراء الحريري. إنها لضربةٌ ثقيلةٌ لمن لا يُقهر. إصرار نصر الله على بقاء الرئيس ميشال عون في منصبه ورفضه لاقتراح إجراء انتخاباتٍ برلمانيةٍ مبكرةٍ يشوِّه حزب الله بشكلٍ لا يُمحى، ويربطه بالمؤسسة السياسية ونتانة الفساد المصاحبة لها، التي يريد المتظاهرون القضاء عليها. لم يعدْ باستطاعة حزب الله أن يدعي بمصداقيةٍ أنه "نظيف"، وإن مشاركته في الحكومة المزدراة، المستقيلة الآن، أضرت بمطالباته بتقديم الخدمات بشكلٍ فعَّالٍ، أكثر مما أضرت بالباقين. من حيث الصورة العامة لدوره السياسي، فإن حزب الله الآن قد هبط إلى نفس كومة القمامة مثل الأحزاب اللبنانية الأخرى المشكوك فيها.
إضافةً إلى ذلك، من غير المرجح أن ينسى المواطنون اللبنانيون أن حزب الله وشريكته الصغيرة أمل قد أرسلتا بلطجيةً على الدراجات النارية لضرب المتظاهرين. أعادت هذه الوحشية إحياء ذكرياتٍ يفضِّل حزب الله إبقاءها مدفونةً: في أيار/ مايو 2008، استولى حزب الله وحركة أمل على مساحاتٍ شاسعةٍ من بيروت والمناطق المحيطة بها لعرقلة جهود الحكومة لتفكيك شبكة الاتصالات الآمنة الموازية لحزب الله. قُتل العشرات قبل أن يسيطر الجيش. في حين أن حزب الله لم يبدِ أيَّ قلقٍ بشأن قتل أعدادٍ كبيرةٍ من المدنيين في سوريا أو حتى تجويعهم، فإن أيَّ محاولةٍ لتكرار هجوم أيار/ مايو 2008 في الداخل اللبناني ستبخِّر ذريعة "المقاومة" المتقلِّصة أصلًا. لسنواتٍ، حاولت الولايات المتحدة حثَّ اللبنانيين على مواجهة حقيقة أن حزب الله وصواريخه يخلقان خطر الحرب مع إسرائيل بدلًا من توفير الحماية من إسرائيل. إن رد فعل حزب الله، خطابًا وممارسةً، على المظاهرات الحالية قد يوقظ المزيد من اللبنانيين – بمن فيهم الشيعة، وهو أمرٌ ضروريٌّ لتقويض شعبية حزب الله – على هذا الواقع القاتم.
كما أن المظاهرات الحالية تقوِّض بشكلٍ بنَّاءٍ الشراكة بين حزب الله والتيار الوطني الحر، وهو حزبٌ مسيحيٌّ، للرئيس عون وصهره، وزير الخارجية جبران باسيل. في استيلاد التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر في عام 2006، يُعد باسيل المخطط الأكثر مسؤوليةً عن قدرة حزب الله على التظاهر بتمثيلٍ وطنيٍّ متعدد الطوائف، وتجاوزه لأجندته الإيرانية والطائفية الضيقة. لقد شكَّل التحالف مع التيار الوطني الحر قشرةً من الغطاء المسيحي على حزب الله، وبالتالي أصبح الأداة الرئيسة لنفوذ حزب الله الموسَّع داخل المؤسسات الحكومية: لم يعدْ حزب الله مقيدًا بـ "الحصة الشيعية" في النِسب الطائفية اللبنانية، نظرًا لأن حزب الله يمكن أن يعتمد على نصيب التيار الوطني الحر كذلك. لطالما استغل باسيل القلق الصادق الذي تشعر به الولايات المتحدة ودولٌ أخرى حول وضع المسيحيين في الشرق الأوسط على وجه التحديد لحرف التدقيق عن تمكينه شخصيًّا لحزب الله وعن فساده. أصبح باسيل الآن تجسيدًا لكل ما يثير المتظاهرين ويغضبهم، في حين أن خُطب حماه الرئاسية (بما فيها الخطاب الذي يشير إلى أن الأشخاص غير الراضين عن الوضع الراهن في لبنان يتمتعون بالحرية في الهجرة) تعكس حالة شخصٍ فاقدٍ للاتصال مع المزاج الوطني العام. حتى الآن، يتمسك حزب الله بتحالفه مع التيار الوطني الحر. لكن قيمة هذا "الأصل" قد انخفضت إلى حدٍّ كبيرٍ وتضيف إلى خيبة الأمل العامة المتزايدة تجاه "علامة" حزب الله بشكل عام.
على النقيض من ذلك، فإن سمعة الجيش اللبناني، الذي تمكَّن إلى حدٍّ بعيدٍ من الابتعاد عن السياسة، قد تحسنت بشكلٍ عام. كانت هناك بعض المشاكل والتناقضات في رد فعل الجيش اللبناني على الاحتجاجات – قام الجيش اللبناني بحماية المتظاهرين في بيروت ضد بلطجية حزب الله وأمل، بينما أشاحت وحداته في النبطية، في الجنوب، بنظرها عنهم. قتلت نيران الجيش اللبناني متظاهرًا الأسبوع الماضي. لكن بشكلٍ عامٍّ، استجاب الجيش اللبناني باحترافٍ وضبط نفس لما يُعتبر من الزاويتين الأمنية والسياسية تجربةً قصوى: ما الذي سوف نفكر فيه نحن الأمريكيين إذا منعتنا احتجاجاتٌ مستمرةٌ من الوصول إلى مطاراتنا أو مستشفياتنا أو وظائفنا؟ علاوةً على ذلك، أُجبِرت الجيش اللبناني على العمل والمجازفة دون أيِّ توجيهٍ سياسيٍّ متماسكٍ – أو غطاءٍ – من القيادة المدنية اللبنانية، ومع تهديداتٍ مبطنةٍ من حزب الله لإزالة الاحتجاجات. في الأيام الأخيرة، ومما أثار فزع المتظاهرين، هو أن الجيش اللبناني تحرك بقوةٍ أكبر لفتح الشوارع والطرق، للسماح للمدارس والشركات والمؤسسات العامة بإعادة فتح أبوابها.
على الرغم من أن سجله لم يكنْ مثاليًّا، إلا أن أداء الجيش اللبناني كان رائعًا بشكلٍ عامٍّ في هذه الظروف. لم يكنْ التناقض مع بلطجية حزب الله على الدراجات النارية في يومٍ أكثر وضوحًا من ذلك، وسلوك الجيش اللبناني يشبه بشكلٍ إيجابيٍّ رد فعل قوات الأمن العراقية أو المصرية أو السورية على المحتجين. يمكن أن يكون الجيش اللبناني مثالًا على كيف يمكن أن يبدأ الاحترام العام لمؤسسةٍ وطنيةٍ مستقلةٍ وقادرةٍ وذات مصداقيةٍ بإزالة الاحترام عن أخرى طائفية. هذه الظاهرة، أيضًا، لا تتعلق بنا، ولكنها في مصلحتنا بالتأكيد – وظاهرةٌ يجب رعايتها.
قد يتساءل البعض في واشنطن عما إذا كان على الجيش اللبناني الآن الاستعداد لمواجهة حزب الله حركيًّا ونزع سلاحه بالقوة. ستكون هذه وصفةً للحرب الأهلية، وكما ذُكر أعلاه، تميل إيران وعملاؤها، كما تنظيم القاعدة، إلى الازدهار في حالات الحرب الأهلية. نحن بحاجةٍ إلى التفكير على المدى الطويل. بشكلٍ عامٍّ، يعرف ضباط الجيش اللبناني، التوَّاقون لحماية استقلالهم، مدى تحسِّن قدرات الجيش واحترافيته بفضل التدريب والمعدات الأمريكية المستمرة، وقد بدأ الجمهور اللبناني يدرك ذلك أيضًا.
أظهرت عملية مكافحة الإرهاب في عام 2007، بالمقارنة مع جهود الجيش اللبناني التي قام بها مؤخرًا في مكافحة الإرهاب، هذا التحسن. في عام 2007، عمل الجيش اللبناني من مايو حتى سبتمبر لتصفية فتح الإسلام، وهي منظمةٌ إرهابيةٌ سنيةٌ مستوحاةٌ من تنظيم القاعدة. خلال المعركة، قُتل 158 من جنود الجيش اللبناني وضباطه (إلى جانب 222 من إرهابيي فتح الإسلام)، ولقي أكثر من 50 مدنيٍّ حتفهم، وتم تدمير مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين بالكامل، الذي كان يضم في السابق أكثر من 30 ألف شخص. الآن، يقوم الجيش اللبناني بعملياتٍ سريعةٍ وفعالةٍ لمكافحة الإرهاب، بما في ذلك على الحدود اللبنانية السورية، بأقل عددٍ من الضحايا المدنيين أو العسكريين. استغرقت عملية 2017 لتنظيف شرق لبنان من أكثر من 700 مقاتلٍ من داعش عشرةَ أيام قتالٍ فقط، مع مقتل سبعة من الجيش اللبناني. اعتقل الجيش اللبناني أكثر من 3000 متطرفٍ سنيٍّ في عام 2017 وعدة مئاتٍ آخرين في العام الماضي. فخورون بمؤسستهم ومدركون لزيادة الدعم الشعبي لها، إن ضباط الجيش اللبناني بدؤوا منذ زمن بهمسات الاستياء من تهميش حزب الله المتغطرس للجيش اللبناني. إنها مسألة وقت فقط قبل خروج هذا الاستياء إلى العلن.
مهما كانت التسوية التكتيكية العرضية غير جذابةٍ، خاصةً في الجنوب الذي يسيطر عليه حزب الله، يجب أن ندرك أن علاقة الجيش اللبناني وحزب الله ليست قصة حبٍّ أبدية. تستحق الولايات المتحدة الفضل في المساهمة في احتراف الجيش اللبناني وقدراته، وبالتالي تعزيز احترامه واستقلاله المحليين. يؤسفني أن المراجعة الحالية بإيقاف التمويل العسكري الخارجي الأمريكي (FMF) – آمل أن يكون لفترةٍ وجيزةٍ فقط – إلى الجيش اللبناني قد قطعت سيرةً، جيدةً في الغالب، من التعاون بين الجيش اللبناني والولايات المتحدة، مع إعطاء حزب الله وسوريا وإيران نقطة نقاشٍ مريحةٍ حول عدم إمكانية الاتكال على الولايات المتحدة.
نُشرت على موقع Brookings.edu بتاريخ 19 نوفمبر 2019
------------------
2019.11.23
الزيارات: 722